على وقع تصاعد حدّة التوتّرات جنوبًا وتوسّع رقعة الاعتداءات الإسرائيلية، كان البارز الأسبوع الماضي زيارة وزير الخارجية الايرانية حسين أمير عبداللهيان إلى بيروت. وكشفت معلومات صحيفة "الجمهوريّة"، أنّ "عبداللهيان نقلَ الى الذين التقاهم، اجواء المفاوضات الجارية حول وضع غزة وصفقة تبادل الاسرى، مشيراً الى احتمالات ايجابية لتحقيق حل سياسي".
وذكرت أنّه "اكد ان ايران لا ترغب التصعيد في المنطقة، لكنه حذّر من استمرار الحرب، واكد ان حركة "حماس" قادرة على الصمود لمدة طويلة، موضحا ان بلاده تدعم الموقف اللبناني بتطبيق شامل للقرار الدولي 1701، مثلما يطلب لبنان".
وأشارت المعلومات إلى أنّ "عبداللهيان شدّد بعد لقائه الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، على أن "في كل مبادرة سياسية، يتعيّن اعتبار دور الشعب الفلسطيني وإجماع القيادات والمجموعات الفلسطينية، الركيزة الأساسية"، مبيّنةً أنّ "نصرالله أكد خلال اللقاء، أنّ "الجيش الاسرائيلي يعيش في أزمة استراتيجية، ولم يحقق أيّاً من أهدافه في الميدان"، مشيرا الى أنّ "المقاومة باتت تشكل عنصراً مهماً في المعادلات الإقليمية، ولا شك في أن انتصار الشعب الفلسطيني والمقاومة أمر حتمي".
هوكستين: صفقة حدودية بمفاعيل داخلية
على صعيد متّصل، اعتبرت "الجمهورية"، أنّ "زيارة عبداللهيان الى بيروت لم تكن لِتشكّل مفاجأة بالمعنى الحقيقي للكلمة. ففي الحقبة الأخيرة كانت زيارات عبداللهيان الى العاصمة اللبنانية متوقعة كلما تقاطرت زيارات كبار المسؤولين الغربيين، للدلالة على الحضور والنفوذ الإيراني في لبنان".
وأوضحت أنّ "الجديد في زيارة الوزير الإيراني، هو ما حَمله كلامه من مواقف مختلفة أقلّه عن تلك التي اعتاد على إطلاقها منذ اندلاع الحرب في غزة واشتعال جبهة جنوب لبنان. فعوض اللغة "الحربيّة" التي دأب على استخدامها، جاءت مفرداته هذه المرة تفاوضية وتسووية، عبر الإشارة الى أن الحل هو بتسوية سياسية لا بالحرب، وأن المنطقة تتجه نحو الإستقرار، كاشفاً عن تواصل مع الولايات المتحدة الأميركية؛ التي طلبت من طهران التدخل لدى "حزب الله" لمنع توسّع النار في الجنوب".
ولفتت الصّحيفة إلى أنّ "الاستنتاج الأولي الذي يمكن الخروج به، بأنّ قناة التواصل ما بين واشنطن وطهران أنتجت تفاهماً أولياً ما يزال بحاجة لإقناع الحكومة الإسرائيلية به، وهو ما تعنيه إشارته بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو يسعى لأخذ البيت الأبيض "رهينة له"، والذي عليه أن يختار بين أن يبقى رهينة أو يتطلّع الى الحل السياسي".
وركّزت على أنّ "اللافت أكثر، أنه لمّح الى أن لبنان يشكل جزءا من التسوية المفترضة. فمع وصوله الى مطار بيروت، أعلن أن أمن لبنان من أمن إيران، ولاحقاً أبدى اطمئنانه الى أن اسرائيل لن تهاجم لبنان، وهو ما يوحي بوجود ضمانات في هذا المجال، ولو أنه استتبعَ ذلك بالقول انّ أي هجوم واسع النطاق على لبنان "سيكون اليوم الأخير لنتنياهو"؛ مع العلم أنه في السابق كان يستخدم تعبير "ستكون نهاية إسرائيل".
كما أشارت إلى أنّ "فك شيفرة كلام عبداللهيان لا يبدو صعباً، فهو يتحدث عن تفاهمات واسعة جرت بنشاط في الكواليس التفاوضية بين واشنطن وطهران طوال المرحلة الماضية، وفي عز اشتعال حرب غزة. كذلك، فإن كلام وزير الخارجية الايراني يعزّز الإعتقاد بأنّ مواجهات البحر الأحمر وتبادل القصف في العراق وسوريا وشمال الأردن، كان أقرب ليكون تفاوضاً بالنار منه مواجهة حقيقية وفعلية".
وأضافت "الجمهورية" أنّ "تحليل كلام عبد اللهيان جاء ليُطابق معلومات دبلوماسية يجري تداولها على نطاق ضيق جداً، حول توصل الإدارة الأميركية الى تسوية كاملة متكاملة للمرحلة المقبلة مع إيران حول المنطقة، وأن لبنان جزء منها. وهو ما يفسّر الزيارة السريعة التي قام بها الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين الى إسرائيل منذ أسابيع معدودة".
وفسّرت أنّ "هذه المعلومات تتحدث عن ترتيبات المرحلة المقبلة في الجنوب، لناحية تطبيق القرار 1701 وتعزيز وضع الجيش، إضافة الى تفاصيل أخرى جرى طرحها بطرق وقنوات مختلفة. لكنّ الجديد ما لَمّحت إليه أوساط دبلوماسية بوجود ملحق يتعلق بالملفات الداخلية اللبنانية، لا سيما بإعادة تكوين السلطة"، مبيّنةً أنّ "التطورات اللاحقة أظهَرت وجود عقبات كبيرة أمام إنجاح ولادة هذه التسوية بشقيها الإقليمي واللبناني".
عبداللهيان يفاجئ اللبنانيين بدعوته لانتخاب الرئيس بمنأى عن "الخماسية"
في سياق متّصل بزيارة وزير الخارجيّة الإيرانيّة حسين أمير عبداللهيان إلى لبنان، ذكر مصدر نيابي بارز لصحيفة "الشّرق الأوسط"، أنّ "محادثات عبداللهيان بقيت تحت سقف ضرورة إعطاء فرصة لتمرير التسوية، على قاعدة وقف العدوان الإسرائيلي على غزة، كاشفاً في الوقت نفسه، ونقلاً عن عبداللهيان، أن المراسلات بين طهران وواشنطن لم تنقطع، لا بل ارتفعت وتيرتها لمنع توسعة الحرب، ومؤكداً أن سلطنة عُمان تتولى رعايتها، ويشارك فيها من حين إلى آخر سفير سويسرا لدى إيران ومسؤولون من دولة قطر".
وعلمت "الشرق الأوسط" من مصادر في "الثنائي الشيعي" (حزب الله وحركة أمل)، أن "تل أبيب اتخذت قرارها بتجاوز الخطوط الحمر في استهدافها لمناطق لا تقع ضمن منطقة جنوب الليطاني، في محاولة لاستدراج "حزب الله: نحو توسعة الحرب. وهذا ما لفت إليه عبداللهيان في لقاءاته مع نصرالله والقيادات الفلسطينية، داعياً إلى ضبط النفس لتفويت الفرصة على رئيس الحكومة الاإسرائيلية بنيامين نتانياهو، الذي يصر على التصعيد جنوباً؛ لتمرير رسالة للدول التي تضغط عليه لمنعه من توسعة الحرب على امتداد الجبهة الشمالية".
ولفتت المصادر إلى أنّ "فريق الحرب في إسرائيل أراد إعلام المجتمع الدولي بأنه لن يرضخ للضغوط، ما لم يوفّر له الضمانات المطلوبة ليبقى على قيد الحياة، بالمفهوم السياسي للكلمة"، مؤكّدةً أن "استهداف جدرا الواقعة على تخوم بيروت الإدارية، لا يتعلق بمحاولة اغتيال المسؤول في "حماس" فحسب، وإنما يتخطاه لتوسعة الحرب جنوباً".
وأشارت إلى أنّ "المسؤولين في غرفة العمليات المشتركة التابعة لـ"محور الممانعة"، بدأوا تحت إشراف نصر الله، البحث عن إعداد استراتيجية جديدة لوضع حد لتجاوز إسرائيل للخطوط الحمر، على أن تبقى تحت السيطرة، وإن كانوا يتخوّفون من تحويلها منطقة جنوب الليطاني إلى منطقة عازلة، أسوة بالمنطقة الواقعة في شمال فلسطين المحتلة، مما يسمح لها بإقحام الجنوب بمغامرة عسكرية ليست محسوبة".
كما بيّنت أنّ "الاستراتيجية المدرجة على جدول أعمال محور الممانعة، فوجئت بمبادرة تل أبيب إلى خرق قواعد الاشتباك في العمق، وكانت تراهن، من وجهة نظر محور الممانعة، على أن التوصل إلى هدنة مديدة في غزة سينسحب على جنوب لبنان".
ونقلت المصادر نفسها عن عبداللهيان، قوله إن "تل أبيب لن تتمكن من السيطرة على غزة، وأن لدى حركتَي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" ومعها الفصائل الفلسطينية، القدرة على الصمود في وجه العدوان الإسرائيلي لأشهر مديدة، كون هؤلاء مجتمعين لا يعوزهم السلاح والذخائر على أنواعها، وكانوا قد أمّنوا مزيداً من الاحتياط من خلال المصانع التي أنشأوها لتصنيع الصواريخ والقذائف، ولديهم من الاكتفاء الذاتي ما لا يسمح لإسرائيل بالإطباق على غزة".
انتخابات الرئيس
وعلمت "الشرق الأوسط" أيضًا من مصادر رسمية رفيعة، أن "عبداللهيان تطرق إلى انتخاب رئيس للجمهورية ودعا إلى لبننته، على أن يكون انتخابه نقطة توافق بين الكتل النيابية بمنأى عن أي تدخّل خارجي"، موضحةً أنّ "بكلام آخر، فإن عبداللهيان أراد أن يعيد كرة انتخاب الرئيس إلى حضن اللبنانيين، وأن طهران تؤيد ما يتوافقون عليه، وذلك في إشارة إلى أن طهران توكل أمرها في هذا الخصوص إلى محور الممانعة ومن خلاله إلى "الثنائي الشيعي".
وأكّدت أنّ "وزير الخارجية الإيرانية توقّف أمام ضرورة انتخاب الرئيس، من زاوية أن إيران حريصة على الاستقرار في لبنان، وضرورة تضافر الجهود للحفاظ على التهدئة كشرط للتصدي للأطماع الإسرائيلية، في ظل استمرار احتلالها لأجزاء من جنوب لبنان".
وذكرت الصّحيفة أنّ "الجهات الرسمية أبدت قلقها حيال دعوة عبداللهيان للبننة انتخاب الرئيس على خلفية قوله، بلا مواربة، بأن اللجنة "الخماسية" التي تضم في عدادها ممثلين عن الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية ومصر وقطر منقسمة على نفسها، وأن من الأفضل أن يُترك انتخابه للبرلمان اللبناني؛ لعله يتوافق على مرشح يكون ترجمة لتلاقي الكتل النيابية حول اسم معين".